محمد حميد الصواف
في خبر ليس بجديد اعلن في العراق قبل عدة أيام العثور على مقبرة جماعية في مدينة الناصرية جنوبي العراق، اشارت المصادر الأولية على احتوائها على اكثر من سبعمائة قتيل جميعهم من المدنيين.
الا ان ابرز ما يثير الألم والحزن ان تلك المقبرة التي لم يدخر حافرها جهداً في سبيل دفن سيئي الحظ ممن كانوا ضحايا الحقد الطائفي ضد الشيعة، انها احتوت على عوائل مجتمعة، نساء وأطفال واباء وشيوخ.
تلك المقبرة تستحضر الذاكرة العراقية والعالمية لعشرات المقابر التي تم العثور عليها منذ انهيار النظام الديكتاتوري السابق، وتتنبأ ان مسلسل المقابر الجماعية لن ينتهي حتى وقت قريب، فكما يبدو ان جرائم البعث الصدامي بحاجه الى عقود لتكتشف وتوثق، وقد برع مرتكبوها في التفنن في أساليب القتل او طرق اخفائها، الا ان الزمن كان اكثر انصافاً عندما تكفل بالكشف بين فينة والأخرى عن احدى تلك الجرائم.
ولا بد وعلى الرغم من قساوة المشهد ومرارته، ان نلفت نظر المتلقي نبأ اكتشاف المقبرة الجماعية الجديدة، او سواها من المقابر القديمة ان جميع ضحاياها قد دفنوا احياء، بنسائها واطفالها وشيوخها.
الا ان تلك الظاهرة المفجعة التي باتت ايقونة سوداء تلازم الذاكرة الشيعية العراقية، كتبت لتستمر حتى ما بعد انهيار النظام الطائفي الصدامي، اذ ارتكب تنظيم داعش الإرهابي عدد من جرائم الإبادة الجماعية بحق المئات من المواطنين الشيعة في المناطق التي سقطت في براثنه، في الموصل وتكريت والانبار، كحال قائل يقول: كتب عليكم يا شيعة العراق الدفن احياء حقبة بعد حقبة.
اذ بدت أصداء اكتشاف تلك الجريمة المروعة خافتة بشكل مريب على الرغم من جلل الفجيعة، اذ مرت على الجمهور العراقي كأمر اعتيادي ليس بجديد، حتى وسائل الاعلام المحلية والدولية لم تكلف نفسها سوى دقائق ضمن نشرات اخبارها اليومية لتغطية حدث بهذه الاهمية.
قد يعزو بعض المراقبين الى الاضطرابات السياسية والنزاعات المسلحة الجارية في العراق الأسباب الكامنة وراء حالة عدم المبالاة القاتلة التي واجهها الشيعة إزاء انباء اكتشاف المقبر الجماعية الجديدة، ولكن ما يثير الريبة اغفال وسائل الاعلام العربية والأجنبية للأمر، بالرغم من كون تلك الوسائل الإعلامية تثير الضجيج وتبدي التأثر في احداث اقل أهمية بكثير تجري داخل العراق.
هذا التعامل المنحاز وغض الطرف المقصود من قبل وسائل الاعلام يشير الى امراً بالغ الخطورة، يتحتم على الشيعة الالتفات اليه جيداً، ومفاده.. لا يروعنا مقتلكم او تشريدكم او دفنكم احياء او رميكم بالرصاص، بل الأهم من كل ذلك اجندتنا السياسية، واثارة الفتن والبغضاء وإشاعة الفوضى، وهذا المطلوب فقط.