محمد حميد الصواف
إدانة العنف تعبير يشار إليه بالبنان.. كون العنف كان ولا يزال وسيبقى وسيلة تجرد الإنسان من إنسانيته وتحيله لغريزة حيوانية يغيب عنها المنطق والعقل على حد سواء.. الا في حالات نادرة واستثنائية تجيز للمرء اللجوء للعنف كوسيلة لدفع ضرر محيق أو دفاعا عن نفس.
ولطالما تغنى متبني نظرية اللاعنف بالعديد من الأمثلة المشرقة في المشهد الإنساني التي كان السلم والعيش المشترك والاستقرار المجتمعي نتيجة حتمية لتلك النظرية محدودة التطبيق، ويرى العلماء وفقهاء الاديان مجتمعة أن الفطرة التي جبل عليها الإنسان والرسالات السماوية كانتا تجتمعان على مصداق واحد، الا وهو السلم الأهلي ونبذ العنف بكافة أشكاله.
ويشير المفسرون إلى أن الشريعة الإسلامية التي اباحت استخدام العنف في أدبياتها ما كانت لتجيز هذا السلوك العدائي الا دفاعا عن النفس اضطراريا لا اختياريا، ذهابا وراء أهداف سامية تسعى إلى بسط الأمن والأمان في ربوع المعمورة التي يتكالب على استعباد سكانها المتطرفون والمتعصوبون الذين لطالما اشاعوا العنف للوصول إلى مآرب يعلنونها أو يخفونها وغايات أخرى استمكن الشر في خلجاتها.
ولكي لا نسهب في فلسفة العنف ومجرياته، نتفق جميعا على إدانته جملة وتفصيلا، بل حتى مرتكبي العنف ذاتهم ينكرونه ويدينون من يلجئ إليه متناسين انفسهم.
المهم ما سعى إلى تداركه في حديثي هذا هو الاشارة الى الاحباط الذي اعانيه بسبب مرتكبي العنف من جهة، ومن يدين العنف ايضا، خصوصا أن أصبحت أرى كلا الفريقين في كفة واحدة لا فرق بينهما.
واتمنى الا تذهبوا بعيدا في الاستغراب مما اقول، فالسبب كما يقال يبطل العجب.
قبل أيام ساعات قليلة مضت قتل برلماني انكليزي ينتمي إلى حزب المحافظين في لندن على يد متطرف من أبناء جلدته، وهذا أمر مؤلم ومؤسف ومدان، لا سيما أن المغدور كان رجلا مدنيا اعزلا لا يتسلح سوى ببعض الأجندات والأفكار السلمية التي يسعى دون شك من خلالها إلى الارتقاء بالوضع الإنساني لمجتمعه وأبناء وطنه، ومن ضمنهم الفتى الذي أقدم على قتله.
ولكوني من مناصري نبذ العنف بكافة اشكاله، ومن دعاة الحوار والقبول بالآخر والسلم الاهلى، ابهجني حجم الادانات والبيانات الصادرة عن الحكومات والمنظمات الحقوقية والشخصيات رفيعة مستوى والنخب التي رفضت تلك الجريمة وعبرت رفضها القاطع لها، إذ توالت كلمات الشجب والتعاطف مع الضحية وملأت المواقع الإلكترونية ووسائل السوشيال ميديا بعبارات التنديد والغضب.
إلا… وفي إلا تسكن العبرات، ما جعل الاحباط يسيطر على مشاعري ويزيدني بؤسا على ما أنا عليه، أن مقتل أكثر من ثلاث مائة مدني وجرح أضعاف هذا العدد خلال اسبوع واحد جميعهم دون استثناء مدنيين عزل يشملهم عددا كبيرا من الأطفال والنساء، سقطوا ضحية ارهاب الفكر السني المتطرف الذي يبيح قتل الشيعة الذين يختلفون أفكارهم ومعتقداتهم.
فرغم هول المطلع وجسامة الجريمة التي ترقى إلى الإبادة الجماعية، لم ترتقي إلى حجم الإدانة التي بادرت إليها المراقبين مع سقوط البرلماني الإنكليزي، بالرغم من الفارق الكبير لتداعيات الجريمتين على الصعيد الانساني.
توقفت كثيرا أمام صمت من تنابزوا إلى إدانة مقتل البرلماني إزاء مجازر الشيعة في افغانستان، ولسان حالي يردد ابيات أبا فراس الحمداني:
أَراكَ عَصِيَّ الدَمعِ شيمَتُكَ الصَبرُ
أَما لِلهَوى نَهيٌ عَلَيكَ وَلا أَمرُ
والسلام.