الجمعة , ديسمبر 13 2024

من أجل تدويل جريمة سبايكر

الدكتور محسن القزويني

مرت علينا في الثاني عشر من حزيران الذكرى السابعة لجريمة قتل أكثر من 1700 طالب عسكري في مرحلة التدريب في معسكر سبايكر بالقرب من مدينة صلاح الدين، وهي جريمة مركبة من عدة جرائم لم يشهد العراق مثيلا لها في تاريخه المعاصر.

فهي جريمة قتل بحق طلبة متدربين لا جرم لهم سوى انتمائهم للجيش العراقي، وقبل قتلهم تم خداعهم ثم اسرهم في القصور الرئاسية بحجة ايصالهم إلى ذويهم في المحافظات الجنوبية وتخليصهم من داعش التي أصبحت على مشارف محافظة صلاح الدين بعد احتلالها للموصل. فإذا الذي أراد انقاذهم أصبح هو القاتل، وهو ما يعكس أبشع صور الغدر والخيانة لم يعهده العرب في تاريخهم المديد المعروف باقراء الضيف وتكريمه حتى لو كان عدوا له.

وخلافا حتى للسجية الانسانية تم اقتيادهم كاسرى حرب وتولى صغارهم اطلاق النار عليهم واحدا تلو الآخر على شاطئ دجلة والقائهم في المياه وهو في حالة الاحتضار خلافا لكل المعايير الانسانية التي تقتضي دفن الميت بعد قتله وليس القائه في النهر وهو بين الموت والحياة.

لقد عبر اولئك القتلة بهذه الجريمة عن أبشع ما في الانسان من رذائل وكشف عن خسةٍ في الطبع، وحقد دفين لا يسعه قلب أي انسان حتى ولو كان من أعتى المجرمين.

لقد أصبحت حادثة سبايكر قضية انسانية تستدر عطف كل من شاهد صورها وسمع بحكاياتها المفزعة، وقد تحدث الشعراء عنها وصورتها ريش الرسامين وقلم الكتاب و الفنانين لما فيها من دراما انسانية كشفت عن مدى مظلومية ضحايا سبايكر، ومدى وحشية القتلة الذين مارسوا ساديتهم بحق مجموعة من الأبرياء لم يرتكبوا اي ذنب.

وقد سارعت الحكومة العراقية تحت ضغط عوائل الشهداء بالقاء القبض على بعض القتلة وتنفيذ حكم القضاء العادل بحقهم لكن لازال البعض منهم طليقا ولازال بعضهم يتنعم خارج العراق ويعيش حياة رغيدة في دول اللجوء في أوربا.

فلكي لا تتكرر هذه الجريمة ليس في العراق وحسب بل في مختلف دول العالم كان لابد من وقفة دولية ازاءها . وقد اعتبرتها الامم المتحدة على لسان رئيس فريق التحقيق الأممي في تقريره إلى مجلس الأمن؛ إن مجزرة سبايكر هي جريمة حرب وابادة جماعية ضد طلاب القاعدة الجوية الأمر الذي يستدعي تحركا عالميا للكشف عن ملابسات هذه القضية والتعريف بها للعالم ومطاردة الفاعلين الذين مارسوا هذه الجريمة في كل شبر من الأرض لينالوا جزائهم العادل والذي يقتضي تحريك القضية لدى المحكمة الجنائية الدولية التي اعتبرت حيثيات حادثة سبايكر ترقى لمستوى جرائهم الابادة الجماعية حسب المادة السادسة من وثيقة أركان الجرائهم التي تبنتها المحكمة في دورتها الأولى المنعقدة في نيويورك عام 2002 والتي اعتبرت في البند الثالث من هذه المادة كل من يمارس القتل فردا أو مجموعة أفراد بحق جماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية كليا او جزئيا هو جريمة حرب وابادة جماعية.

وهنا يقع العبء الأكبر على الحكومة العراقية التي عليها أن تتحرك بمستوى حجم الجريمة وأن لا تكتفي بالتصريحات وبزيارة مواقع الجريمة وأن تعطي زخما لتحركها باتجاه المحافل الدولية لتتحول القضية إلى قضية عالمية وجريمة مدانة دولياً وتمنح محاكم الدول المنضوية في هذه المحكمة الحق في مقاضاة كل من تثبت عليه جريمة المشاركة في هذه الابادة الجماعية.

ويقتضي ذلك من الحكومة العراقية الانضمام إلى ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية الذي يتيح لها القدرة الكاملة على تدويل هذه الحادثة وجعلها قضية عالمية محملة المجتمع الدولي مسؤولية وضع حد لمثل هذه الجرائم التي تفجع البشرية بين حين وآخر.

شاهد أيضاً

شاعد على التاريخ

عز الدين محمد قبل ثلاث سنوات كانت لي زيارة الى تكريت، حيث ألقيت محاضرة في …